ما هي المهاتيرية
الرجوع إلى: المعجزة الماليزية
وردت أهم أفكار "المقاربة المهاتيرية" في الكتاب الذي وضعه مهاتير محمد بعنوان "المعضلة الملاوية"، الذي تحدث فيه عن تهميش الملايو في عهد الاستعمار البريطاني، وانتقد بشدة استسلامهم لهذا التهميش، وبلور مهاتير في هذا الكتاب ما أصبح نظريته فيما بعد، واتجاها سياسيا ينتسب إليه، اسمه (المهاتيرية)، وتقوم أفكاره على تشكيك مهاتير في نوايا الغرب من العولمة، والدعوة إلى التحرر من النفوذ الاقتصادي والثقافي والسياسي الذي تمارسه الدول الغربية على ما تطلق عليه دول العالم الثالث.
فالمهاتيرية تتشكل من خلال عدد من التوجهات والتصورات الخاصة بالإسلام والغرب والديمقراطية والتنمية والنظام الاقتصادي العالمي والعولمة، وهي تحمل رؤية تقدمية للدين تناسب طموحاتها إلى تأسيس دولة علمانية حديثة، ورغم أن الدستور الماليزي ينص على أن الإسلام هو دين الدولة مع ضمان الحقوق الدينية للأقليات الدينية الأخرى، فإن مهاتير يتجنب الحديث عن العلمانية، ويرى أن السياسات التي تضمن توفير التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والتسامح، تعكس تمسكاً بمبادئ الإسلام.
ولا ترى المهاتيرية في الإسلام مجموعة من الشعائر الدينية فقط ، وهي تعارض الأصولية الإسلامية بشدة، وترى فيها أحد العوامل المسئولة عن تخلف العالم الإسلامي، فقد شن مهاتير محمد هجوماً حاداً على المتطرفين الإسلاميين في بلاده، ودعا المسلمين في كل أنحاء العالم إلى العودة إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، والتحلي بقيم السلام والصداقة والأخوة والتسامح، وقال إن "ماليزيا لم تواجه مشاكل مع الإسلاميين المتشددين، لأنها اتخذت الإجراءات اللازمة لوقف تدريس سياسة الكراهية في المدارس الدينية".
وترى المهاتيرية أن الإسلام لا يشكل في ذاته معوقاً للتنمية، حيث أنه يدعو إلى العلم والتعلم، وأن مفهوم العلم هنا لا ينصرف إلى مجموعة العلوم الشرعية، بل العلوم الدنيوية أيضاً، وتولي المهاتيرية اهتماماً خاصاً بالعلوم الطبيعية والتطبيقية ذات الصلة بالتكنولوجيا والتنمية.
النهضة العلمية والتكنولوجية الماليزية
إن أهمية تجربة مهاتير محمد تكمن في أنه لم يكتف بوضع أفكار نظرية مجردة، بل ترجمها فعلياً في شكل سياسات قابلة للتنفيذ، قامت بتحويل ماليزيا من بلد زراعي يعيش على زراعة المطاط وتصديره، إلى نمر اقتصادي يعيش على تصدير التكنولوجيا، ويجني منها عائد صادرات قيمته 59 مليار دولار سنويا، ويحقق فائضاً في ميزانه التجاري قيمته 25 مليار دولار سنويا، ويصل دخله القومي إلي 215 مليار دولار.
كذلك فالمهاتيرية لها رؤية خاصة للديمقراطية الليبرالية، تؤكد على ضرورة التمييز بين الغاية والوسيلة، وأن الديمقراطية رغم أنها واحدة من أفضل النظم السياسية التي عرفتها الإنسانية، إلا أنها لا تعدو كونها وسيلة للحكم غير مأمونة العواقب بالضرورة، فقد تؤدي إلى الفساد وإساءة استخدام السلطة كغيرها من الأنظمة السياسية، كما أنها لا تمثل ضمانا حقيقيا لتحقيق الاستقرار السياسي أو التقدم، وفى أحيان كثيرة أدت إلى الفوضى وإعاقة التطور، كما كانت في أحيان أخرى سببا في تراجع معدلات التنمية".
ويقوم التصور المهاتيري هنا على أولوية قضية التنمية على التطور الديمقراطي في المراحل الأولى من التطور الاقتصادي، وقد قام مهاتير محمد بصياغة تجربة التنمية الماليزية وفق هذا التصور، الأمر الذي أدى إلى تأجيل عملية التطور الديمقراطي إلى الآن، رغم النجاح الذي حققه المشروع التنموي.