بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على الهادي الأمين أما بعد :
فقد شاع بين الناس ظلم بعضهم لبعض ومن أعظم الظلم الذي نراه بأم أعيننا ونسمع عنه بآذاننا هو الظلم الناتج عن السحر والشعوذة والدجل وخاصة في عصرنا الذي يموج بالفتن ليل نهار ، والمعصوم من عصمه الله تبارك وتعالى .
ونتج عن هذا الانحراف الديني أن ابتلي المسلمون فيه بمصائب كثيرة أعظمها الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين والعرافين والسحرة وسؤالهم الشفاء أو سؤالهم طلب الحاجات وغيرها مما هو من خصائص الرب تبارك وتعالى .
أولا : تعريف السحر :
في اللغة : يطلق السحر في اللغة على عدة معان منها :
الخداع ، والصرع ، والاستمالة ، والتمويه ، وكل مالطف ودق وخفي سببه فهو سحر .
أما في الاصطلاح :
فقد تعددت أقوال العلماء في تعريفه اصطلاحاً وكل التعريفات ترجع إلى معنىً واحد وخلاصة هذه التعريفات وأوضحها معنىً هو أن يقال :
هو عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه الساحر أو يعمل به شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له عليه وله حقيقة فمنه مايقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه مايفرق بين المرء وزوجه ومنه مايبغض المرأة إلى زوجها أو العكس أو يحبب بين اثنين كل هذه الأشياء واقعة بين الساحر و الشيطان الموكل بعمل ذلك وذلك لايتم إلابحصول منفعة بينهما فيقوم الساحر بفعل المحرمات و الشركيات و الكفريات في مقابل مساعدة الشيطان له وطاعته فيما يطلب منه .
وقد يسأل سائل فيقول هل من الممكن ذكر بعض الشركيات أو الكفريات التي يقوم بها الساحر لكي يساعده الشيطان على سحره ؟ نقول : نعم نذكر شيئاً من ذلك لنبين للقارىء الكريم خطورة السحرة وبيان كفرهم بالله رب العالمين ، فمن هذه الأشياء :
أولاً : يجب أن يعلم أن الساحر لكي يساعده الشيطان لابد له من الكفر بالله إما أن يأتي بذلك بالقول كأن يقول كفرت بالله وأنا مشرك وغير ذلك من الألفاظ الكفرية والشركية أو يأتي بأعمال صريحة في ردته في كفره منها :
1ـ أنه يرتدي المصحف في قدميه ويدخل به الخلاء .
2-ومنهم من يكتب القرآن الكريم بالقذارة أو بدم الحيض .
3- ومنهم من يكتب آيات القرآن على أسفل قدميه .
4-ومنهم من يكتب الفاتحة معكوسة .
5-ومنهم من يؤدي الصلاة بلاوضوء .
6-ومنهم من يذبح للشيطان فلايذكر اسم الله على المذبوح ويرمي به في مكان يحدده له شيطانه .
7-ومنهم من يسجد للكواكب ويخاطبها .
8-ومنهم من يأتي أمه أو ابنته نعوذ بالله من ذلك كله .
وبالجملة كل ما كان الساحر أشد كفراً بالله كان الشيطان أكثر طاعة له وذلك بتنفيذ أمره وبسرعة في ذلك .
حكم السحر :
خلاصة القول في حكمه أنه حرام بنص الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم من الصحابة وغيرهم .
قلت : و حل السحر بسحر مثله من عمل الشيطان, و لا يجوز بأي حال من الأحوال .
أقسام السحر :
ذكر الرازي أقساماً ثمانية للسحر وكل هذه الأقسام أدخلها الرازي بناءاً على التعريف اللغوي لأن السحر في اللغة كما بينَّا هو عبارة عما لطف وخفي سببه ولكن هنا الذي يعنينا من أقسامه هي التي تتعلق بالسحر حقيقة والتي سببها ظاهر ويستعين الساحر فيها بالجن والشياطين بغرض الإفساد في الأرض والإضرار بالبشرية فمن هذه الأقسام :
1- سحر يؤثر من تلقاء نفسه وهو مايصدر عن الشيطان أو من يعاونه على ذلك وهو أقواها أي أقوى أنواع السحر .
2- سحر يقوم الساحر بمساعدة الأرواح الشريرة وهو أضعفها ولايدوم مفعوله إلا إذا تكرر عمله ومن السهل علاجه وإبطال مفعوله .
3- سحر يستعين فيه الساحر بقوة الحروف الهجائية والأعداد و الكواكب والأجرام السماوية وهو أصعب أنواع السحر ويستلزم الحيطة والحذر منه وهذا يجهله أكثر الناس ولكن هنا في النوع الأخير من أقسام السحر ينبغي أن ننبه على أنه إن صح هذا القسم من الاستعانة بالكواكب والحروف الهجائية ونحوها فينبغي أن يُعلم أن التأثير الذي يحدث للمسحور لايكون من تأثير الكواكب ولكن من تأثير الشياطين وذلك لإضلال السحرة وفتنتهم"
سؤال : كثيراً مانسمع عما يقوم به المشعوذون من أعمال يشاهدها أبناء المسلمين إما عن طريق التلفاز أو المشاهدة عياناً في بعض البلدان الأخرى وذلك بقيام المشعوذ بعمل أعمال خفية فتصرف الأبصار إليها كإماتة طير وإحيائه أو إخراج الطائر من البيضة على يديه وهكذا فما حكم مشاهدة هذه الأشياء وهل هي من السحر ؟ .
نقول نعم هذه الأشياء ضرب من ضروب السحر ويسمى سحر التخييل وهو قسم من أقسام السحر الذي هو يشبه سحر سحرة فرعون الذي قال الله فيه : {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى {66} ( طه ) .
وقال فيه أيضا: {قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {116} ( الأعراف ) .
وهذه الأشياء التي يقوم بها المشعوذون في هذا النوع من السحر لاحقيقة لها بل هي خداع وتخيلات يقوم بفعلها المشعوذ لكي يصرف أبصار الناس عما يتعاطاه بخفة يده .
أما كونها سحراً لأن الله سبحانه وتعالى سماها بذلك فقال في سحرة فرعون : {وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {116} ( الأعراف ) .
لكن هنا ماحكم رؤية هذه الأعمال ؟ .
لاشك أنه لا يجوز ويحرم على الإنسان رؤيتها وينبغي عليه أن يحذر أبناءه من مشاهدة هذه الأشياء .
ودليل ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {68} ( الأنعام )
وقوله تعالى للمؤمنين : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً {140} ( النساء ) .
فرؤية المنكر مع عدم القدرة على الإنكار نهينا عن الجلوس مع من يقوم به لأن الجلوس معه يوحي بالرضى به .
والسحر منكر عظيم ينبغي البعد عن أماكنه وعن من يقوم به.
وكذلك في هذه الألعاب شركيات وكفريات كما هو معلوم فالمشعوذ الذي يقوم بعمل هذه الأشياء يدعي صفة الربوبية وهي القدرة على الإحياء بعد الإماتة ومن ادعى ذلك كفر لأن هذا من خصائص ربوبية الرب سبحانه وتعالى .
فالمهم هنا أننا نقول بأنه لايجوز رؤية الألعاب التي يقوم بها المشعوذون وتشتمل على سحر التخييل المتضمن لأشياء كفرية أو شركية أومحرمة سواء كان من خلال أجهزة الإعلام أوغيرها .